Tuesday, June 26, 2012

نظرية التطور بين الحقيقة العلمية و الإسلام (3)

" بسم الله الرحمن الرحيم "


نوح  (عليه السلام) و نظرية التطور :

      يخبرنا الله _سبحانه و تعالي_ عندما كذب أهل نوح (عليه السلام) دعوته, قال لهم مستنكرا : ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ۞ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) نوح 13-14 _ يتركز الحديث هنا علي كلمة " أطوارا" و هل هي بمعني مراحل خلق الذرية من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.. إلي أخر ما هو مذكور في آيات أخري. أم أن ما قصده نوح ( عليه السلام ) هي مراحل تطور الإنسان من أجناس أخري و كل طور استمر لمليون عام يزيد أو ينقص؟.

      ينبغي أولا أن نضع في الحسبان الفترة الزمنية بين آدم ( عليه السلام ) و نوح ( عليه السلام ).. مذكور في العهد القديم "التوراة" أن بينهم عشرة أجيال و هي كالآتي :

آدمشيتأنوشقينانمهلئيليارد ◄  أخنوخ "أدريس"متوشالحلامك ◄  نوح

و هي مذكورة في الفصل الخامس, الآيات من 1 إلي 3 من سفر التكوين. و أيضا ذكروا مرة أخري في انجيل لوقا في الفصل الثالث الآيات من 36 إلي 38. إذا فنوح ( عليه السلام ) كان قريبا هو و قومه من آدم ( عليه السلام ).

       نرجع مرة أخري لكلمة " أطوارا " ماذا قصد بها نوح ( عليه السلام ) ؟ هل الإحتمال الأول ؟ ولكن كما قلت في المشاركة السابقة فأن الخطاب الديني يكون علي قدر معرفة المخاطب و إلا يكون عبثا.. و علم التشريح و الأجنة هو من أثبت مراحل تكون الجنينو خصوصا بعد ظهور المجهر و المنظار الطبي. ولكن هل كان قوم نوح ( علسه السلام ) يملكون مجهرا أو منظارا ؟ بالطبع لا; فقديما لم يعلموا هذا و لم تظهر نظريات عن هذا إلا مع مجيْ جالينوس, و حتي مع نظريته ظهر النظريات الكثيرة و لو يستطع اثبات شيئا و كذلك لم تكن بهذا الوصف الدقيق. و مما يعزز القول بجهلهم بذلك أن الأوربيين في العصور الوسطي اعتقدوا أن الإنسان يكون متكامل التكوين في داخل النطفة; أي يكون إنسانا كاملا و لكن بحجم دقيق لا تراه العين المجردة, و قد جربوا تخليقه في المعامل كما جاء في كتاب الطبيب الساحر السيميائي باراسيلزوس "Paracilsus degenera Ionbus Rerum Naturalivm", فهل يقل ألا يعلم المحدثين تلك الحقيقة العلمية و يعلمها من هم عاشوا في أزمنة قديمة جدا؟ هذا مستبعد تماما. هذا فيما يتعلق بالإحتمال الأول.

        
     أما الإحتمال الثاني, فقد قلت أن نوح ( عليه السلام ) كان قريب العهد بآدم ( عليه السلام ) فلا يستبعد أن يكون هو و قومه قد علموا بعض الحقائق عن تطورهم نظرا لقصر الفترة الزمنية بينهم و بين آدم ( عليه السلام ). ويأتي نوح ( عليه السلام ) و يؤكد صحة هذا الفرض الثاني بصورة أقوي فيقول : ( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ) نوح 17 _ الفهم الشائع هو أن أنبتكم ليست إلا مجازا.. ولكن "أنبتكم" أكدت ب "نباتا" و لم يقل "انباتا" فالتوكيد في تلك الحالة ليس بالمصدر و لذلك فهو ليس مجازا.. ولفهم أكثر للعلاقة بين التوكيد و المجاز راجع مشاركتي هنا.

ولكن هل العلم يثبت أننا كنا نباتا في الأصل ؟ هذا ما سأتحث عنه _ إن شاء الله تعالي _ في المشاركة القادمة.

يتبع إن شاء الله
" الحمد لله رب العالمين "






نظرية التطور بين الحقيقة العلمية و الإسلام (2)

" بسم الله الرحمن الرحيم "





دعوة الأنبياء و الرسل "الخطاب الدعوي" :


       إن من يتدبر القرآن يري أن الخطاب الدعوي لأي نبي أو رسول يأتي علي قدر علم و معرفة قومه, حتي المخلوقات تنظر للإعجاز بنظرتها الضيقة ; فكمثال قال هدهد سليمان (عليه السلام) : ( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) النمل 25 _ ففي نظر الهدهد أن إعجاز الله متمثل في اخراج الحبوب من الأرض ليأكلها. كذلك كان خطاب كل نبي لقومه علي قدر فهمهم.


       فمثلا قال الله مخاطبا بني اسرائيل : ( وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) الأعراف 141 _ فكان بنو اسرائيل ينظرون لحكم فرعون كالكابوس الذي يتمنون خلاصهم منه. أيضا خاطب نبي الله صالح (عليه السلام) قومه قائلا : ( وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ) هود 64 _ فصالح عليه السلام لم يأت لهم بشيء لا يعرفوه و إنما يحدثهم بما رأوه بأعينهم. و خاطب الله تعالي الصحابة قائلا : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران 103 _ فقد كانت الجزيرة العربية مسرحا للغارات بين القبائل و أقرب مثال الأوس و الخزرج الذين آخي بينهم الرسول (صلي الله عليه و سلم) بعد عداوة أجيال و بذلك فالله يحدثهم عن شيء مروا به و تجربة خاضوها بالفعل وليس شيء مستبعد أوة بعيد عن معرفتهم. و يخاطب الله جيلنا قائلا : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء 30 _ فالله يعلم ما وصلنا إليه في علوم الفلك و المحيطات و الجغرافيا و غيرها و هو يكشف لنا اعجازا تأكدنا منه بالفعل.


إذا فالخطاب الديني "الدعوي" يأتي في سياق ما يعرفه المخاطب; فلا يمكن أن يأتي نبي إلي قومه مثلا و يحدثهم عن تركيب الذرة من نواة و الكترونات تدور حولها; لأن في تلك الحالة سيكون الخطاب عبثا و سيكون الحل شبيها بمن يتحدث الروسية إلي أخر يتحدث الألمانية, فالفهم و الاستيعاب معدوم. و لذلك فأن الخطاب الديني "الدعوي" كان لكل قوم يخص ما يعرفونه سابقا, و هذا الموضوع ما هو إلا تمهيد لقضية نوح (عليه السلام) و نظرية التطور كما سيأتي فيما بعد.


يتبع بإذن الله
" الحمد لله رب العالمين "

 

نظرية التطور بين الحقيقة العلمية و الإسلام (1)





" بسم الله الرحمن الرحيم "

 

مقدمة :
    
        موضوع نظرية التطور موضوع كبير جدا و متفرع و متشعب لكل اللي دخلوا فيه... و مسألة التطور بين الدين و العلم مسألة صعبة جدا أو بتعبير أدق ناس كتيرة بتعتبرها صعبة بالرغم من خطأ هذا الإدعاء..ولكن لازم نبين الفرق بين نظرية التطور كما وضع اساسها تشارلز داروين و بين التطور حديثا...فالنظرية نفسها عندما وضعها تشارلز داروين اعتمدت  علي علمين اساسيين لاثباتها : علم الحيوان و علم التشريح ثم ضمت الجيولوجيا لاحقا...بينما الأن يوجد عدد كبير من العلوم المؤيدة لنظيرة التطور كالكيمياء الحيوية و علم الجيولوجيا و التشريح و علم الحيوان و علم الأحياء التطوري و غيرهم كثير...ولذلك يجب أن نبين الفرق بين نظرية داروين بتبسيط شديد و بين التطور بالمفهوم و الادلة الحالية.


مجمل نظرية داروين :       

1- دراسة الإحياء تؤكد علي وجود تقسيمين من المخلوقات نوع أعلي و نوع أدني ..تبتدأ الأنواع الدنيا بخلية واحدة..بينما الأنواع الأعلي تتميز بتركيبها من ملايين الخلايا.


2- بمقارنة تلك المعلومات مع المشاهدات و الحقائق التي كشفتها الحفريات نري ترتيبا ارتقائيا بحسب الزمن, فالأحياء التي وجدت من ملايين السنين كانت بسيطة , ثم ظهرت أنواع أكثر تعقيدا بمرور الوقت.


3- إن النظام الجسماني لكل الأحياء المتقدمة متشابه جدا, إذ أنها جميعا تتألف من ملايين الخلايا النباتية أو الحيوانية , و بناءا علي هذا, يحتمل أن تنتهي كلها إلي أسرة واحدة التي بدورها ترجع بأصلها إلي خلية واحدة.


4- تتطور أجيال الأحياء والحيوانات نحو الأمام و الأفضل تبعا لمبدأ " الإنتخاب الطبيعي " للتعايش مع البيئة المتغيرة, عندها تحدث تغيرات في حيوانات الأصل الواحد و تكبر بصورة مدهشة بعد ملايين السنين و ينتج أنواع و صور جديدة.

ملحوظة : 

دي مش النظرية بكل تفاصيلها..أنما ده الجوهر مع وجود تفاصيل تم التغاضي عنها لأن معظم الناس مش هتكون عارفة حاجة عنها و هندخل في متاهات عالفاضي.
_____________________________________________________________________

تبسيط لنظرية التطور حاليا (من بحوث مجلة الطبيعة العلمية لعام 2006) :

1- أقدم جمجمة تجمع بين القرد و الإنسان ترجع إلي من 6 إلي 8 مليون عام تقريبا.

2- أقدم هيكل عظمي قريب للإنسان يرجع إلي 5 و نصف مليون عام تقريبا ( ارديبيثيدكس كادابا)  Ardipithecus Kadabba

3-عاش جنس (ارديبيثيدكس راميدس)Ardipithecus ramidus  قبل 4.4 مليون عام تقريبا..وكان له اسنان نصفها كأسنان القرد و نصفها كأسنان البشر.

4- وجدت عظام  (استرالوبيثيكس انامينس) Australopithecus anamensis عام 2006 و عاش منذ 4 مليون و 200 ألف عام تقريبا بطقم أسنان إنسان كاملو فقارات تساعده علي المشي بإعتدال.

5- من 3.9 إلي 2.9 مليون عام, عاش (استرالوبيثيكس افارينسيس) Australopithecus afarensis
و تميز بأصابع قدم كبيرة تساعده علي المشي بسرعة و مرونة في مفصل الساعد و الأصابع تساعد علي القبض كما يقبض الإنسان الحالي يده.

6- في الفترة بين 2 مليون إلي 1.2 مليون عام تقريبا عاش (استالوبيثيكس روبستس) Australopithecus robustus و كان له وجه أكثر تسطحا اقرب لوجه الإنسان الحالي, ولكن لم يكن لديه ناصية, وكان تجويف الجمجمة لا يزيد عن 500 سم مكعب مما يدل علي صغر حجم المخ.

7- من 1.3 إلي 1.8 مليون عام تقريبا عاش (هومو ايركتس) Homo erectus و كان يمشي معتدلا..وكان له فك بارز دون حنك و زاد تجويف جمجمته إلي 110 سم مكعب أي أنه تضاغف تقريبا خلال مليون عام !.

8- منذ حوالي 350 ألف عام تقريبا ظهر (هومو نياندرثالينسيس) Homo neanderthalensis  و تميز بجمجمة أكثر استدارة و أكتاف متسعة كالإنسان الحالي و مشية معتدلة كما أنه عاش في مجتمعات عشائرية و وجدت بقاياه في أماكن متقاربة مما يدل علي شبه المجتمع القروي.

9- منذ حوالي 200 ألف سنة عاش (هومو سابينز) Homo Sapiens أول انسان في شكل مجتمع يبدو منتظما و اتصف بصفات انسان اليوم من حيث الشكل و حجم الجمجمة و المخ و لكن رغك ذلك لم يترك أثرا علي تمتعه بالعقل البشري.

10- قبل 7000 آلاف سنة تقريبا ظهر الإنسان العاقل الحديث المستمر حتي الآن. 

"ما زلت أبحث في هذا الرقم."

ملحوظة : 

تم تعديل بعض المعلومات و الأرقام وفقا لأخر ما تم اكتشافه.



يتبع بإذن الله
" الحمد لله رب العالمين "

تأكيد المجاز في اللغة العربية

" بسم الله الرحمن الرحيم "


     اليوم موضوع جديد و لكن مهم جدا...الموضوع بيتكلم عن التوكيد في اللغة العربية و متي نعتبره حقيقة ومتي نعتبره مجازا؟
المصادر ستكون من كتب اللغة و البلاغة و الفقه نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم :      _سأقوم بالتظليل بالأحمر علي الأجزاء المهمة_

الإتقان في علوم القرآن ( جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي) » النوع الثاني والخمسون في حقيقته ومجازه » فصل في أنواع مختلف في عدها من المجاز :

فصل : في أنواع مختلف في عدها من المجاز وهي ستة :

أحدها : الحذف ، فالمشهور أنه من المجاز ، وأنكره بعضهم لأن المجاز استعمال
[ ص: 42 ] اللفظ في غير موضوعه ، والحذف ليس كذلك . وقال ابن عطية : حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه ، وليس كل حذف مجازا .
وقال
القرافي : الحذف أربعة أقسام :

قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد ، نحو :
واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ؛ أي : أهلها ؛ إذ لا يصح إسناد السؤال إليها .
وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله :
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ؛ أي : فأفطر فعدة .

وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا ، نحو :
أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [ الشعراء : 63 ] ؛ أي : فضربه .

وقسم يدل عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة ، نحو :
فقبضت قبضة من أثر الرسول [ طه : 96 ] ، دل الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول ، وليس في هذه الأقسام مجاز إلا الأول .

وقال
الزنجاني في المعيار : إنما يكون مجازا إذا تغير حكم ، فأما إذا لم يتغير كحذف خبر المبتدإ المعطوف على جملة فليس مجازا ، إذ لم يتغير حكم ما بقي من الكلام .

وقال
القزويني في الإيضاح : متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز ، نحو : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ، ليس كمثله شيء [ الشورى : 110 ] ، فإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغير الإعراب ، نحو : أو كصيب [ البقرة : 19 ] ، فبما رحمة [ آل عمران : 159 ] ، فلا توصف الكلمة بالمجاز . الثاني : التأكيد ، زعم قوم أنه مجاز لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، والصحيح أنه حقيقة . قال الطرطوشي في العمدة : ومن سماه مجازا قلنا له : إذا كان التأكيد بلفظ الأول ، نحو : ( عجل عجل ) ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول ؛ لأنهما في لفظ واحد . وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنه مثل الأول .

[ ص: 43 ] الثالث : التشبيه ، زعم قوم أنه مجاز والصحيح أنه حقيقة .

قال
الزنجاني في المعيار : لأنه معنى من المعاني ، وله ألفاظ تدل عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه .

وقال
الشيخ عز الدين : إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فمجاز بناء على أن الحذف من باب المجاز .

الرابع : الكناية ، وفيها أربعة مذاهب .

أحدها : أنها حقيقة ، قال
ابن عبد السلام : وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له ، وأريد بها الدلالة على غيره .

الثاني : أنها مجاز .

الثالث : أنها لا حقيقة ولا مجاز ، وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها .

الرابع : وهو اختيار
الشيخ تقي الدين السبكي أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز ، فإن استعملت اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة ، وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له .

والحاصل أن الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له ليفيد غير ما وضع له ، والمجاز منها : أن يريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة .

الخامس : التقديم والتأخير ، عده قوم من المجاز; لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقه .

قال في البرهان : والصحيح أنه ليس منه ، فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له .
[ ص: 44 ] السادس : الالتفات : قال الشيخ بهاء الدين السبكي : لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز ؟ قال : وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد .

فصل فيما يوصف بأنه حقيقة ومجاز باعتبارين .

هو الموضوعات الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، فإنها حقائق بالنظر إلى الشرع مجازات بالنظر إلى اللغة .

فصل في
الواسطة بين الحقيقة والمجاز .

قيل بها في ثلاثة أشياء :

أحدها : اللفظ قبل الاستعمال ، وهذا القسم مفقود في القرآن ، ويمكن أن يكون منه أوائل السور على القول بأنها للإشارة إلى الحروف التي يتركب منها الكلام .

ثانيا : الأعلام .

ثالثها : اللفظ المستعمل في المشاكلة ، نحو :
ومكروا ومكر الله [ آل عمران : 54 ] ، وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] ، ذكر بعضهم أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز .

قال : لأنه لم يوضع لما استعمل فيه ، فليس حقيقة ، ولا علاقة معتبرة فليس مجازا ، كذا في شرح بديعية
ابن جابر لرفيقه .

قلت : والذي يظهر أنها مجاز والعلاقة المصاحبة .

خاتمة : لهم مجاز المجاز ، وهو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر ، فيتجوز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى :
ولكن لا تواعدوهن سرا [ البقرة : 235 ] ، فإنه مجاز عن مجاز ، فإن الوطء تجوز عنه بالسر لكونه لا يقع غالبا إلا في السر ، وتجوز به عن العقد لأنه مسبب عنه ، فالمصحح للمجاز الأول الملازمة ، والثاني السببية ، والمعنى : لا تواعدوهن عقد نكاح .

وكذا قوله
ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [ المائدة : 5 ] ، فإن قوله لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ] مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ ، والعلاقة السببية ؛ لأن توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان ، والتعبير ب ( لا إله إلا الله ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه .

وجعل منه
ابن السيد قوله : أنزلنا عليكم لباسا [ الأعراف : 26 ] ، فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس ، بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس . 

________________________________________________________________________

 البحر المحيط (بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي) » مباحث الترادف » أقسام التأكيد:


[ المسألة ] الرابعة [ أقسام التأكيد ]

ينقسم إلى لفظي ومعنوي ، فاللفظي يجيء لخوف النسيان أو لعدم الإصغاء ، أو للاعتناء ، وهو تارة بإعادة اللفظ وتارة يقوى بمرادفه ، ويكون في المفردات والمركبات . [ ص: 373 ]

وزعم الرافعي في الطلاق أنه أعلى درجات التأكيد قال إمام الحرمين : وينبغي فيه شيئان :

أحدهما : الاحتياط بإيصال الكلام إلى فهم السامع إن فرض ذهول أو غفلة .

والثاني : إيضاح القصد إلى الكلام والإشعار بأن لسانه لم يسبق إليه ، ويمثله النحويون بقوله تعالى : { كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ، وجاء ربك والملك صفا صفا } وجعلهم صفا صفا تأكيدا لفظيا مردود ، فإنه ليس بتأكيد قطعا بل هو تأسيس ، والمراد صفا بعد صف ، ودكا بعد دك ، وكذلك ألفاظه إذا كررت فكل منها بناء على حدته ، والعجب منهم كيف خفي عليهم . 



والمعنوي ، وهو إما أن يختص بالمفرد كالنفس والعين وجمعاء وكتعاء ، أو بالاثنين ككلا وكلتا ، أو بالجمع ككل وأجمعين ، وجمع وكتع . وكل وما في معناه للتجزؤ ، والنفس والعين للمتشخص غير المتجزئ ، وإما أن يختص بالجمل ككأن وإن وما في معناهما ، وفائدته : تمكين المعنى في نفس السامع ورفع التجاوزات المتوهمة ، فإن التجوز يقع في اللغة كثيرا فيطلق الشيء على أسبابه ومقدماته ، فإنه يقال : ورد البرد إذا وردت أسبابه ، ويطلق اسم الكل على البعض نحو { الحج أشهر معلومات } { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } قيد بالكمال ليخرج احتمال توهم بعض الحول الثاني ، والتوكيد يحقق أن اللفظ حقيقة ، فإن قيل : إذا كان رافعا لاحتمال التخصيص في نحو : قام القوم كلهم وللمجاز في نحو ، جاء زيد نفسه ، فهذه فائدة جديدة ، فكيف أطبقوا على أن المقصود منه التقوية ؟

قلت : إن الاحتمال المرفوع تارة يكون اللفظ مترددا فيه وفي غيره على
[ ص: 374 ] السواء وتارة يكون احتمالا مرجوحا ، ورفع الاحتمال الأول فائدة زائدة ، لأن تردد اللفظ بينه وبين غيره ليس فيه دلالة على أحدهما ، كما أن الأعم لا يدل على الأخص ، فدفع ذلك الاحتمال تأسيس . أما الاحتمال المرجوح فهو مرفوع بظاهر اللفظ ، لأن اللفظ ينصرف إلى الحقيقة عند الإطلاق والتأكيد يقوي ذلك الظاهر .

وهاهنا أمور :

أحدها : أثبت
ابن مالك قسما ثالثا ، وهو ما له شبه بالمعنوي وشبه باللفظي ، وإلحاقه به أولى ، كقولك : أنت بالخير حقيق قمين . ونوزع في هذا المثال ، ولا نزاع لإجماع النحويين على أن من التوكيد مررت بكم أنتم .

الثاني : هل أنه يوجب رفع احتمال المجاز أو يرجحه ؟ يخرج من كلام النحويين فيه قولان ، ففي " التسهيل " أنه رافع ، وكلام ابن عصفور وغيره يخالفه وهو الحق ، وكلام إمام الحرمين يقتضيه ، فإنه قال في " البرهان " : ومما زال فيه الناقلون عن الأشعري ويقتضيه أن صيغة العموم مع القرائن تبقى مترددة ، وهذا - وإن صح يحمل على توابع العموم كالصيغ المؤكدة . ا هـ . .

فقد صرح بأن التأكيد لا يرفع احتمال الخصوص ، ويؤيده ما في الحديث ( فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ) فدخله التخصيص مع تأكيده ، وكذا قوله : { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } إن كان الاستثناء متصلا ، وهل يجري ذلك في التوكيد اللفظي ؟ ظاهر كلام " الإيضاح البياني " نعم والذي صرح به النحاة أنه [ ص: 375 ] لا يقتضي ذلك ، وأن القائل إذا قال : قام زيد زيد ، فإنما يفيد تقرير الكلام في ذهن السامع ، لا رفع التجوز .

وحكى
الرماني في " شرح أصول ابن السراج " ، الأمرين فقال في قوله تعالى : { وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها } : مخرجه مخرج التمكين ، وقد يكون لرفع المجاز ، إذ لا يمنع أن يقال : هم في الجنة خالدين في غيرها ، فأزيل هذا بالتأكيد ، ودل على أنهم في الجنة التي يدخلونها مخلدون فيها ، ولا ينقلون عنها إلى جنة أخرى

الثالث : أن التوكيد اللفظي أكثر ما يقع مرتين كقوله : ألا حبذا حبذا حبذا ، وأما المعنوي فذكروا أن تلك الألفاظ كلها تجتمع ، والفرق أن هذا أثقل لاتحاد اللفظ .

وقال
الشيخ عز الدين بن عبد السلام : اتفق الأدباء على أن التأكيد إذا وقع بالتكرار لا يزيد على ثلاث مرات يعني بالأصل ، وإلا ففي الحقيقة التأكيد بمرتين ، وأما قوله تعالى في المرسلات : { ويل يومئذ للمكذبين } أي بهذا ، فلا يجتمعان على معنى واحد ، فلا تأكيد ، وكذلك { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ونحوه ، وكذلك قال السبكي في " شرح الكافية " ، لم تتجاوز العرب في تأكيد الأفعال ثلاثا كما فعلوا في تأكيد الأسماء . قال تعالى : { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } فلم يزد على ثلاثة : مهل وأمهل ورويد ، وكلها لمعنى واحد . قال : ومما يدل على صحة هذا أن العرب لا تكاد يكررون الفعل مع تأكيده بالنون خفيفة ولا شديدة ، لأن تكريره مع الخفيفة مرتين كالتلفظ به أربع مرات ، ومع الشديدة كالتلفظ به ست مرات . ا هـ . لكن فيما قاله نظر لما سبق في الإتباع أنه سمع خمسة مع أنه تأكيد في المعنى ، وقال الزمخشري في تفسير سورة الرحمن : كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم ما كان يعظ به ، وينصح ثلاث مرات [ ص: 376 ] وسبعا ، ليركزه في قلوبهم ويغرزه في صدورهم ، وفي الحديث الصحيح : { ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت . } ثم لا يشك أن الثلاثة في عادته صلى الله عليه وسلم كالمرة في حق غيره ، فعلم أنه كان قد زاد على الثلاث ، ثم مراد الشيخ التأكيد اللفظي ، أما المعنوي فنص النحويون على أن ألفاظه الصناعية كلها تجمع ، وفرقوا بما سبق .

الرابع : أن
التأكيد نظير الاستثناء وحينئذ فيأتي فيه شروطه السابقة من اعتبار النية فيه ومحلها واتصاله بالمؤكد ، لكن جوز النحويون الفصل بينهما ، كقوله تعالى { ويرضين بما آتيتهن كلهن } .

الخامس : إن
كون التوكيد يرفع التجوز إنما هو بالنسبة إلى الفاعل ، فإذا قلت : جاء زيد احتمل مجيئه بنفسه ومجيء جيشه ، فإذا قلت : نفسه ، انتفى الثاني . أما التأكيد بالمصدر نحو ضربت ضربا ، فنص ثعلب في أماليه " وابن عصفور في " شرح الجمل الصغير " والأبذوي في قوله تعالى : { وكلم الله موسى تكليما } أنه يدل على رفع المجاز ، وأنه كلمه بنفسه ، وهكذا احتج بها أصحابنا المتكلمون المعتزلة في إثبات كلام الله ، وهو غلط ، لأن التأكيد بالمصدر إنما يرفع التجوز عن الفعل نفسه لا عن الفاعل فإذا قلت : قام زيد قياما ، فالأصل قام زيد قام زيد ، فإن أردت تأكيد الفاعل أتيت بالنفس ، وهاهنا إنما أكد الفعل ، ولو قصد تأكيد الفاعل لقال : وكلم الله نفسه موسى ، فلا حجة فيه إذن عليهم .

السادس : في
الفرق بين الترادف والتأكيد : أن المؤكد يقوي المؤكد ، وهو اللفظ الأول كقولنا : جاء زيد نفسه ، بخلاف الترادف ، فإن كل واحد منهما يدل على المعنى بمجرده ، والتأكيد تقوية مدلول ما ذكر بلفظ آخر مستقل ليخرج التابع والفرق بينه وبين التابع قد سبق . 

_______________________________________________________________________

البحر المحيط (بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي) » مباحث الحقيقة والمجاز» المجاز» فصل في الحقيقة:


ومنها : أن الحقيقة تؤكد بالمصدر وبأسماء التوكيد بخلاف المجاز ، فإنه لا يوكد بشيء من ذلك ، ذكره القرطبي وتمدح بذكره ، وقال : هو من الفروق المغفول عنها . قلت : قد ذكره القاضي عبد الوهاب في " الملخص " قال ، فلا يقولون : أراد الجدار إرادة ولا قالت الشمس وطلعت قولا ، وكذلك ورود الكلام في الشرع ; لأنه على طريقة أهل اللغة . قال : ولهذا كان قوله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } حقيقة لا على معنى التكوين كما يقوله المعتزلة من حيث أكده بالمصدر ، وكذلك قوله تعالى : { وكلم الله موسى تكليما } يفيد الحقيقة ، وأنه أسمعه كلامه وكلمه بنفسه لا كلاما قام بغيره . ا هـ . وقد سبق أن التأكيد بالمصدر إنما يرفع التجوز عن الحديث لا عن المحدث عنه ، فليس فيه حجة تكليمه بنفسه ، ولك أن تورد مثل قول الشاعر : [ ص: 124 ]
بكى الحر من روح وأنكر جلده وعجت عجيجا من جذام المطارق
ويجاب عنه بأنه قصد فيه المبالغة بإجرائه مجرى الحقيقة فأكده . وذكر بعض أئمة النحويين أنه لم يأت تأكيد المجاز إلا في هذا البيت الواحد ، وأوله على أن المعنى عجت لو كانت غافلة . قلت : وأنشد ابن برهان :
قرعت طنابيب الهوى يوم عالج     ويوم اللوى حتى قسرت الهوى قسرا
وقال : فيه حجة على أن التأكيد بالمصدر لا يرفع المجاز.
_______________________________________________________  

مما سبق يتبين أن التأكيد في اللغة لا يعد مجازا... ولكن في بعض الحالات عند التأكيد بمصدر الفعل قد يرجح أحد الإحتمالين. 



 " الحمد لله رب العالمين "